السبت، 20 أغسطس 2011

∘|: جائتكُم العشرُ الأخيرة من رمضـان فـ اجتهدوا :|: تقديم راجيات الجنة :|∙∘



:: :: ::


الحمد لله الكريم الوهاب , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبدهُ ورسوله
خيرُ مَنْ قام بالأسحار ، ودعا إلى عبادة الملك التوَّاب
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين
ثم أمـا بعد ..
هانحنُ نعيش هذه الأيام الفاضلة والليالي الكريمة وأوقات شريفة
نعيش العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك شهرِ الخيرُ والعطاء
والفضلِ والبركة والجودِ والإحسان
فإن العشر الأواخر من رمضان خير من أوله وأوسطه , وفي كل خير فإن الله تعالى قد اختص هذا العشر
بمزيد من الأجور الكثيرة والخيرات الوفيرة والله تعالى عليمٌ حكيمٌ يضع الأمور
مواضعها اللائقة بها فلولا أن هذا العشر يستحق التفضيل ما فضله
فإن الواجب علينا أن نحرص تمام الحرص على طلب هذه الليلة المباركة ؛ لنفوز بثوابها ولنغنم من خيرها
ولنحصل من أجورها ، فإن المحروم مَن حُرِم الثواب ، ومن تمرُّ عليه مواسم المغفرة
ويبقى مُحمَّلاً بذنوبه ؛ بسبب غفلته وإعراضه وعدم مبالاته !
فطوبى لمن نال فيها سبق الفائزين ، وسلك فيها بالقيام والعمل الصالح سبيل الصالحين
وويل لمن طرد في هذه الليلة عن الأبواب ، وأغلق فيها دونه الحجاب ، وانصرفت عنه هذه الليلة
وهو مشغول بالمعاصي والآثام ، مخدوع بالآمال والأحلام ، مُضيع لخير الليالي وأفضل الأيام
فيا عظم حسرته ويا شدة ندامته !
من لم يربح في هذه الليلة الكريمة ففي أي وقت يربح , ومن لم ينُب إلى الله في هذا الوقت الشريف
فمتى يُنيب ، ومن لم يزل متقاعداً فيها عن الخيرات ، ففي أي وقت يعمل !
فنَحمدهُ - سُبحانه وتعالى - أن أطال في أعمارِنا حتَّى أشهدنا هذه الليالي المُباركة من شهْر رمضان
الَّذي سمَّاه رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - شهراً مباركاً حين قال من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -
" أتاكُم رمضان ، شهر مبارك , فرَض الله - عزَّ وجلَّ - عليْكُم صيامَه , تُفَتَّح فيه أبواب السَّماء ، وتغلَّق فيه أبواب الجحيم
وتغَلُّ فيه مردة الشَّياطين , لله فيه ليلة خيرٌ من ألْف شهر ، مَن حُرِم خيرَها فقد حُرِم " صحيح النسائي


كَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِمَّنْ صَامَ فِي سَلَـفٍ ______مِنْ بَيْنِ أَهْلٍ وَجِيـــــرَانٍ وَإِخْــــــوَانِ
أَفْنَاهُمُ المَـــوْتُ وَاسْتَبْقَاكَ بَعْدَهُـــمُ ______حَيًّـا فَمَــا أَقْـرَبَ القَاصِـي مِنَ الدَّانِـي


:: :: ::



:: :: ::


الأول : أن الله تعالى أقسم بها في قوله تعالى سبحانه { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } والله تعالى لا يقسم إلاّ بعظيم ذي شأن
فإن في الأقسام بالشيء من المخلوقات دلالةً على فضله وشرفه ، وتذكيراً للعباد بعظم النعمة بإيجاده ، وتنبيهاً لهم
على أن ذلك الشيء من آيات التوحيد ودلائل القدرة وأن على العباد أن يغتنموا ما يمكن اغتنامه منه في مرضاة الله
ويشكروه على الإنعام به , وهكذا فإن الإقسام بليالي العشر من رمضان تنبيهاً على فضلها وشرفها وعظيم النعمة
بها وتذكيراً للمخاطبين على كثرة بركتها وخيرها وحثاً لهم على اغتنام لياليها بالتقرب إلى الله تعالى بما شرع فيها
من الطاعات وجليل القربات فإنها أفضل ليالي السنة على الإطلاق كما أن أيام العشر من ذي الحجة أفضل أيام السنة
على الإطلاق كما هو مذهب جمع من محققي أهل العلم .


:: :: ::


الثاني : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخص تلك الليالي بمزيد من الاجتهاد ويوليها ما تستحق
من العناية إشهاراً لفضلها وحثاً للأمة على طلب فضائلها وبركاتها ، ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها -
قالت " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مؤزره وأحيا ليله وأيقظ أهله "
وفي صحيح مسلم عن عائشـة رضي الله عنها قالت " كان تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتهد في العشر
مالا يجتهد في غيرها " وتواتر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف تلك الليالي فيلازم المسجد فلا يخرج
منه إلاّ لحاجة الإنسان فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا العشر يقطع الأشغال ويفرغ البال ويشتغل بصالح
الأعمال من صلاة وصدقة وتلاوة للقرآن وجود بأنواع الإحسان والذكر والدعاء استزادة من الخير والهدى
فتفرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - لها واعتكافه فيها من أكبر الأدلة على فضلها وشرفها .


:: :: ::

الثالث : إن فيها ليلة القدر قطعاً ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - " التمسوها في العشر الأواخر من رمضان " رواه البخاري
هذه الليلة ليلة شريفة عظيمة البركة ادخر الله فيها لهذه الأمة خيراً كثيراً ويكفي نص الله عز وجل
على أنها الليلة المباركة كما قال سبحانه في تنزيل القرآن الذي هو أعظم كُتب الله تعالى
شأناً وبركة قال تعالى { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ }
وقال سُبحانه وتعالى { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ }
ومن أدلة فضلها وشرفها قوله تعالى { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ }
وألف شهر تزيد على ثمانين سنة فهي ليلة واحدة ولكن خير من ثمانين سنة خالية منها وهذا يدل على فضل العمل
فيها وكثرة ما يعطي الله تعالى من يقومها من الأجر العظيم والثواب الكريم ، ومما يدل على فضلها ما ثبت في
الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه "
ولأن يبذل المرء الدنيا كلها لو ملكها من أجل أن يتخلص من خطيئة واحدة من خطاياه لم يكن ذلك كثيراً فكيف وقائم
تلك الليلة يغفر له ما تقدم من ذنبه وهي إحدى ليالي هذه العشر فبقيامها يغفر ذنبه دون أن يخسر شيئاً من ماله مع
ما يحصل له من الخير الكثير والأجر الكبير والعتق من النار .


وقد أخفى الله تعالى هذه الليلة في العشر الأواخر - لما له سُبحانه من الحكم - ليعظم الاجتهاد في تحريها
ويكثر العمل ويضاعف الثواب فإن العباد إذا قاموا كل ليلة من تلك الليالي راجين أن تكون ليلة القدر
كان لهم عند الله تعالى ما احتسبوا فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكُل امرىء ما نوى
فيكون لهم ثواب عشر ليال على أن كل واحدة منها ليلة القدر .

والصحيح أن تلك الليلة تنتقل في ليالي العشر فتكون مثلاً في سنة ليلة ثلاث وعشرين وفي أخرى ليلة سبع وعشرين
وفي ثالثة ليلة تسع وعشرين ، وقد تكون أول ليلة في العشر ، وقد تكون آخر ليلة من الشعر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -
حثّ الأمة على التماسها في جميع ليالي العشر وما ورد في الأحاديث الشريفة بتحديدها في ليلة معينة فالمراد من
تلك السُنّة التي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - إنها فيها بعينها لأنه جاءت الأخبار عنها من طريق الوحي
والوحي انقطع بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - المقصود أنه ينبغي للمسلم الاجتهاد في العشر الأواخر
من رمضان بأنواع الأعمال الصالحة اغتناماً لفضلها وطلباً لبركتها والتماساً لليلة القدر فيها وأخذاً بسُنة
النبي - صلى الله عليه وسلم - التي مات وهو عليها فيحيى سُنّة قيامها واعتكاف أيامها وليكون ممن يحيون السُنن
ويسابقون إلى الخيرات وأسباب المغفرة والجنّات وليبرأ من حال أهل السآمة والكسل الذين ينشطون أول الشهر

ويفرطون في موسم العشر نسأل الله تعالى أن يُجيرنا من تلك الحال وأن يُلحقنا بالسلف الصالح

فيما كانوا عليه من الهدى والأعمال ، وأن يجمعنا بهم في جنّة عرضها السموات والأرض .

:: :: ::


وقفـة : مضى ليلةٌ من خير ليالي رمضان ، وبقي في عِلم الله تسعُ ليالٍ أو ثمانٍ
ويا لله كم له فيها من عتيقٍ من النيران !
وكم فيها من قتيلٍ للشيطان خسران !
والموفَّقُ من وفَّقه الله وأعانَه
والمخذولُ من وُكِلَ إلى نفسه فاتَّبع هواه وشيطانَه !
هل فينا من لا يُريد العتق من النار ؟!
هل فينا من لا يطمع في الجنة ؟!
ألاَ نحبُّ أن يغفر الله لنا ؟!
أيدَّعي العقلَ امرؤٌ ، ثم يفرِّط في قيام ليلةٍ ثوابُها أكثرُ من عمل ثلاثٍ وثمانين سنةً ؟!

:: :: ::


أحبتي : اجتهدوا - رحمكم الله - في طلب تلك الليلة الشريفة المباركة ، وتحرّوا خيرها وبركتها بالمحافظة
على الصلوات المفروضة وكثرة القيام وأداء الزكاة ، وبذل الصدقات وحفظ الصيام ، وكثرة الطاعات واجتناب
المعاصي والسيئات والندم والتوبة من الذنوب والخطايا ، والإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن ، ويستحب للمسلم أن
يكثر فيها من الدعاء ؛ لأن الدعاء فيها مُستجاب ، وليتخير من الدّعاء أجمعه, روى الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت ( قُلت : يا رسول الله ، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ، ما أقول فيها
قال " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو ، فاعفُ عنِّي " ) فإن هذا الدعاء عظيم المعنى عميق الدلالة
وهو مناسب لهذه الليلة غاية المُناسبة ، فهي الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم ، ويقدر فيها أعمال العباد لسنة
كاملة حتى ليلة القدر الأخرى ، فمن أعطي في تلك الليلة العافية ، وعفا عنه ربُّه ، فقد أفلح غاية الفلاح ومن أعُطي
العافية في الدنيا وأعطيها في الآخرة فقد أفلح ، والعافية لا يعدلها شيء
روى الترمذي في سُننه عن العباس بن عبدالمطلب - رضي الله عنه -
قال ( قلت : يا رسول الله ، علمني شيئًا أسأله الله - عزّ وجل - قال " سل الله العافية " فمكثت أياماً ، ثم جئت
فقلت : يا رسول الله ، علمني شيئًا أسأله الله ، فقال لي " يا عبَّاس ، يا عمّ رسول الله ، سل الله العافية في الدنيا

والآخرة " ) فأكثروا - عباد الله - من سؤال الله العفو والعافية
ولا سيَّما في هذه الليالي الشريفة الفاضلة ، واعلموا أن الله - تبارك وتعالى - عفوٌ غفور
قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ }
فلم يزل - سُبحانه وتعالى - ولا يزال بالعفو معروفاً , وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً
وكل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته ، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه .



:: :: ::



:: :: ::


الحمد لله رب العالمين , الحمدُ لله الذي أحصى كل شيء عدداً , وجعل لكُل شيء أمداً
ولا يُشرك في حُكمهِ أحداً , وخلق الجِن وجعلهم طرائِق قِدداً
اللهم لك الحمد حمداً طيباً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
اللهم لك الحمدُ كلّه , لاقابض لما بسطت ولا باسط لما قبضت ولا هادي لمن أضللت ولا مُضّل لمن هديت
ولا مُعطي لما منعت , ولا مانع لما أعطيت , ولا مقرب لما باعدت , ولا مباعد لما قربت
يارب كما أنعمت علينا بنعمة الإسلام انعم علينا بنعمة الثبات عليه ولا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا
وهب لنا من لدُنك رحمة وهئ لنا من أمرنا رشداً وتوفنا وأنت راضٍ عنا غير غضبان ..
اللهم توفنا مسلمين , وأحينا مسلمين , وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين
اللهم حببّ إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا , وكرّه إلينا الكُفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين
اللهم إنّا نسألك فِعل الخيرات وترك المُنكرات , وحُب المساكين , وأن تغفر لنا وترحمنا وإذا أردت
فتنة قوم فتوفّنا غير مفتونين , ونسألك حُبّك وحُب من يُحبك , وحُب عملٍ يُقربنا إلى حُبك
يابديع السموات والأرض , ياذا الجلال والإكرام , يا حي ياقيّوم , اللهم إنّا نسألك الجنّة وما يقرّبنا إليها من قول وعمل
ونعوذ بك من النار وما يقرّبنا إليها من قول وعمل ..
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تُشمّت بنا عدواً ولا حاسداً
وأعزّ الإسلام والمُسلمين , وأذّل الشرك والمُشركين , ودّمر أعداء الدين يا قوي يا قهّار
ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقِنا عذاب النار
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدُنك رحمة إنّك أنت الوهاب
اللهم اعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنـا ومن أحببناه فيك ومن أحبّنا فيك من النار
اللهم وارحم موتانـا وموتى المسلمين جميعـاً وأحسن خاتمتنا يارب العالميـن ..
اللهم وسُدّ جوع أهالي الصومـال وكنُ لهم عوناً نصيراً فإنه لا حول ولا قوة إلاّ بك
اللهم يا محوّل الأحوال أصلح أحوال المسلمين في كُل مكان بحولك وقُدرتك يا عزيز يا مُتعال
اللهم آلف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا , واهدنا سُبل السلام , ونجّنا من الظلمات إلى النور
وجنّبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن , وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرّياتنا
وتُب علينا إنّك أنت التواب الرحيم , واجعلنا شاكرين لنعمك مُثنين بها عليك قابلين لها وأتممها علينا
اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة , اللهم إنا نسألك العفو العافية في الدُنيا والآخرة
اللهم إنّك عفوٌ تُحب العفو فاعفو عنَّا ,اللهم إنّك عفوٌ تُحب العفو فاعفو عنَّا ,اللهم إنّك عفوٌ تُحب العفو فاعفو عنَّا
ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع المُجيب , سبحان ربّك ربي العّزة عمّا يصفون وسلام على المُرسلين
والحمد لله ربّ العالمين , وصلِّ اللهم وسلّم وبارك على سيدنا مُحمد وعلى وصحبه أجمعيــن


:: :: ::



الأحد، 7 أغسطس 2011

∘|: رمضان والتسابق إلى الخيرات :|: تقديم راجيات الجنة :|∙∘







الحمدُ لله الذي جعَل صِيام شهر رمضان أحدَ أركان الإسلام ، وخصَّه من بين سائر الشهور بالتشريف والتكريم ، وأنزَل فيه القُرآن الكريم
أحمَدُه - سُبحانه - على فضله العميم وأشكُره والشكر له من نِعَمِه وأسأله النعيم المقيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له
وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله ، الدَّاعي لما فيه الفوزُ بجنات النعيم ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه
الداعين بدعوته والمتَّبِعين لسنَّته ، وسلَّم تسليمًا كثيراً..

ثم أمـــا بعد ..

تحيـــــة طيبة ومعطّرة من فريقنـا إليكم وأهلاً وسهلاً بكم أينمـا كُنتم :)






:: :: ::




بدايـة .. ما أحوجَ الإنسانَ أنْ يُقدِّم لنفسه كثيرًا من فعْل الخيرات !


فالإنسان إذا مات لا ينفَعُه من عمله إلاّ صدقةٌ جارية ، أو علمٌ يُنتَفع به
أو ولدٌ صالح يدعو له ، فالعاقِل هو مَن يَزرَع اليوم كي يحصُد غداً


ويأتي شهر رمضان حاملاً بذور الخير ،ينثرها في قلوبهم ؛ فتحلِّق أفئدتهم ، وتَسكُن جوانحهم ، ويَشعُرون بفقرائهم
فيتألَّق عطاؤهم ، ويَكثُر إنفاقهم ، ويتحوَّل المجتمع إلى خليَّة نحل ، يلمُّ شملها التكافُل الاجتماعي ، ليبرهِن كلُّ مسلم على إيمانه
بأنَّه أعطى واتَّقى ، وصدَّق بالحُسنى ؛ لكي ييسِّره ربه الكريم المنَّان لليسرى كما وعَد


ويُذكِّرنا شهر الصيام بِمَدَى ما يُعانِيه الفُقَراء من ألَمِ الجوع ولوعة الفقر ؛ فعلى الصائمين أنْ يذكُروا إخوانهم الفُقَراء المحتاجين
وألاَّ يأخذهم الشحُّ أو الخوف من الظروف الاقتصاديَّة ويجعَلهم لا ينفقون وعليهم أنْ يبذلوا في هذا الشهر المبارك وفي غيره
من الجود والصدقة، وليعلَمُوا أنَّ الله هو الرزَّاق ، وليذكُروا فضل الصدقة
وأخصّ بالذكر هنا - الصومـال - سدّ الله جوعهم وفرّج عليهم مُصيبتهم !
عنْ أُمِّ المؤمنين عائِشَة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم عن هذه الآية { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ }
قالت عائِشة : أهُم الَّذين يشربون الخمْر ويسرِقون ؟ قال " لا يا بنت الصدِّيقِ ولكنَّهُم الَّذين يصومون ويُصلُّون ويتصدَّقُون وهُم يخافُون أنْ لا يُقبل منهم ، أولئك الَّذين يُسارعون في الخيرات"
رواه الترمذي (3175) ، وصححه الألباني ( صحيح سنن الترمذي ، 287/3)
قال العلاّمة المباركفوري في " تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي" { وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ } أي يعطون { مَا آتَوْا }
 أي ما أعطَوا من الصَّدقة والْأَعمال الصَّالحة { وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أي خائفة أن لا ُ تقبل منهم وبعده
{ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } أي لأنهم يوقنون أنهم إلى اللَّه صائرون { أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ }
 كذا في هذه الرواية , وفي القرآن { أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ } أي يُبادرون إلى الأعمال الصَّالحة { وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ }
 أي في علم اللَّه وقيل أَي لأجل الخيرات سابقون إلى الجنَّات أَو لأجلها سبقوا النّاس وقال ابن عبَّاسٍ : سبقتْ لهُم منْ اللَه السَّعادَة
وقد فرضت العدالةُ الإلهية الصومَ لكي يشعر الغنيُّ بجوع الفقير ، والمُوسِرُ بحال المحروم ؛
يقولون : لا يعرفُ أربعةً إلاّ أربعةٌ : لا يعرف قدرَ الشباب إلاّ الشيوخُ ، ولا يعرف قدرَ العافية إلاّ أهلُ البلاء
ولا يعرف قدرَ الحياة إلاّ الموتى ، ولا يعرف جوع الفقير المسكين إلاّ الصائمُ ..



:: :: ::


_________ * الجود تقوى :


لقد وصَف الله المتَّقِين حيث قال { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *
وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ*
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [ آل عمران : 134 - 136 ]
الإنفاق في السرَّاء والضرَّاء ، وكظم الغيظ ، والعفو والإحسان ، والإقلاع عن الذنوب
هي صِفات المُتقين : فأمَّا الإنفاق فعلاقته بالتقوى تظهَر من كون المنفق يتَّقِي بصدقته غضبَ ربه
وفي الحديث الذي أخرجه الترمذي " والصدقة تُطفِئ غضب الرب"
ومن المعلوم أنَّ الإيمان يَزِيد وينقص ؛ يزيد بالطاعة وينقُص بالمعصية ، فالجود يزيد الإيمان ؛ لأنَّه ينطَلِق من تقوى الله عزَّ وجلَّ.






______ ___شمول الجود :

لا يكون الجود بالمال فقط ، بل بالعلم والخلق ، فهلاَّ واسَيْت - أخي المسلم - فقيراً في رمضان !
سواء بالمال أو الطعام أو الشراب ، أو حلو العشرة والكلمة الطيِّبة ، وهلاَّ قُمت بإعطاء درس ديني ، وعمل مجلس قرآن .







_________ الصدقة في رمضان لها فضل :

الصدقة في رمضان له فضلٌ عظيم عند الله ، فالخائب الخاسر من ضيَّع على نفسه مواسم الخير
ونفحات الدهر دونما أن يتعرَّض لها ويغتَنِمها ؛ ففي الحديث " إذا كان أوَّل ليلةٍ من شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن
وغُلِّقتْ أبواب النار فلم يُفتَح منها باب ، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يُغلَق منها باب
ويُنادِي منادٍ كلَّ ليلة : يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر , ولله عُتَقاء من النار ، وذلك كلَّ ليلة " أخرجه الترمذي .







_________ قضـاء الحوائج ومعاونة الآخرين :


للجود في رمضان أشكالٌ متعدِّدة ، فلنَجُدْ بالعلم والمال والكلم الطيب ، والصُّلح بين الناس والمشي في حوائجهم
فلا مانع من الجود بالوقت كالسعي في شتَّى طرق الخير ؛ كأنْ يُصلِح الإنسان بين متخاصمَيْن ، أو أنْ يُصلِح بين زوجَيْن غاضبَيْن
أو أنْ يُصلِح بين أبٍ وابنٍ مختلفين ، أو يأمر بمعروفٍ أو ينهى عن منكرٍ ، أو يمشي في حوائج المسلمين ...إلخ








_________كافل اليتيم :


وما أجملَ مساعدةَ الأيتام في رمضان :)
فهذا أمرٌ عظيم يحبُّه الله ورسوله ؛ فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - " أنا وكافلُ اليتيم في الجنَّة كهاتَيْن "
[ " الأدب المفرد " ؛ لمحمد البخاري - (ج1/ ص61) ]
فلتسارِعْ أخي المسلم ولتغتَنِم تلك الفرصة بمساعدة الأيتام في هذا الشهر الفضيل ؛ كي تنعَمَ بالأجر والثواب العظيم - إنْ شاء الله تعالى-







_________من فطّر صائمـاً :


إنَّ تفطير الصائم شيءٌ عظيم ؛ إذ يقول رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما يرويه عنه زيد بن خالد الجهني
" مَن فطَّر صائمًا كان له مثلُ أجره غيرَ أنَّه لا ينقص من أجر الصائم شيء " رواه الترمذي وابن ماجه ، وصحَّحه ابن حبان
وهناك بعضٌ ممَّن يسَّر الله لهم الحال ، يقومون بأشياء طيِّبة في رمضان ، منها تجهيز أكياس بها وَجَبات للإفطار
وتوزيعها على السيَّارات المارَّة , أو مَن يمرُّون في الطريق وقتَ أذان المغرب
ومَن يقفون بأطباق التمر , أو أكواب اللبن أو الماء أمام منازلهم ؛ كي يفطروا الصائمين منها :)
ومَن يقومون بذبح الذبائح وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين ؛ فمثلاً هناك مَن يذبح شاةً ويدعو الصائمين كي يُفطِروا عنده
وهناك مَن يذبح عجلاً ويُوزِّعه على الفُقَراء والمحتاجين ، وهناك مَن يشتري قماشاً ويُوزِّعه على الفُقَراء في رمضان
وهناك بعض المساجد والجمعيَّات الخيريَّة تفعَل ذلك ، فكلُّ هذا من منافذ الخير الطيِّبة .




:: :: ::




ختامـاً .. نسأل من فضله الكريم ومنّه العظيم أن يختم لنـا شهر رمضان بالعتق من نيرانه والفوز بجنانه
اللهم وفقنا لصيام رمضان إيماناً واحتساباً ، وأعِنَّا على قيامه إيماناً واحتساباً
اللهم إنّـا نعوذ بك من الفقر والقلّة والذّلة , ونعوذ بك ربي من زوال نعمتك وتحوّل عافيتك وفجاءة نقمتك وجميع سخطك
اللهم يارزّاق ياوهّاب ياكريم سُدّ جوع أهالي الصومـال وأطعمهم من خيراتك
اللهم والطُف بهم وارحمهم ولا تؤاخذنا بما أسرفنـا وتُب علينـا إنّك أنت التوّاب الرحيم ..
سبحان ربك ربّ العزّة عمّـا يصفون وسلام على المُرسلين والحمد لله ربّ العالمين
وصلى الله على نبينـا محمد وعلى آله وصحبه أجمعيـــــــن ..