الخميس، 19 يناير 2012

الدرس الـــ 17ــــ : ~ أحكـام موالاة الكُفّـار وصورهـــا ~ مقدم من فريق || راجيـــــات الجنة || ~







والصلاة والسلام على أشرف خلق الله نبينـا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً

 إلى يوم الدين .. ثم أما بعد :


تحيـة طيبة وعطرة للجميـع وأهلاً وسهلاً بكم أينما كُنتم وردة

هانحنُ نعاود من جديد طرح دروس الفريق بعد فترة إنقطاع فنعتذر لكم ..

تجدون الدروس السابقة في فهرس الفريق 

درسنـا لهذا اليوم هو [ أحكـام موالاة الكُفّـار وصورهـــا

نبدأ على بركـة الله ..








* موالاة الكفار لها عدّة أحوال يُمكن تلخيصها فيما يلي :
1- الولاء للكفّـار في الباطن المقتضي للمودة والمحبة لهم والرضى بدينهم واعتقاد صحّته ( فهذا كفر وردّة )
سواء صَاحبَهُ ولاء في الظاهر أولا ؛ ومن صور هذا الولاء المخرج من الملّة العمل على نشر دين الكُفّـار ومدحه
أو ادعـاء مساواته للإسـلام أو مناصرة الكفّـار على المسلمين رغبة في انتصار الكفر على الإسلام .
2- موالاة الكفّـار في الظاهر دون الباطن لعذر شرعـي من إكراه واضطرار أو خوف وضعف في بعض الأزمان والبلدان
فهذا الموالاة (
جائزة ) بقدر الحاجة ففي حال الإكـراه تجوز الموالاة الظاهرة بإظهـار الموافقة لهم على دينهم
ـ ما دام القلب مُطمئنـاً بالإيمـان ـ قال تعالى
{
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } [ النحل : 106 ]
أمـا في غير الإكراه كحال الخوف والاستضعاف دون إكراه فتجوز الموالاة الظاهرة بإخفـاء العداوة وإعمـال المداراة لهم
في بعض الأمـوركالملاطفـة والإكرام ونحو ذلك اتقـاء شرّهم مع عدم إظهـار الموافقة لهم على دينهم .

3- موالاة الكفّـار ف الظاهر دون الباطن لأغراض دنيوية دون عذر شرعـيفهذا العمل الظاهر ـ وإن لم يكن كُفراً ـ
إلاّ أنّه ( مُحرّم ) ومن صور اتخاذهم بطانة بإسناد الولايات إليهم وكثرة مجالستهم والانبساط لهم ؛ لأغراض دنيوية والتشبه
بهم فيما ابتدعـوه من الأعيـاد والمناسبات وما اختصّوا به من العوائد في هيئاتهم ولباسهم وأخلاقهم وطرائقهم السيئة في
عموم حياتهم , وكذا التسمّي بأسمائهم وإطلاق الثنـاء عليهم , ومما يدخل في موالاة الكُفّـارالمُحرّمـة الإقامة في بلادهم
دون عُذر شـرعي , أمـا من كان معذوراً في الإقامة بينهم كالعاجز عن الهجرة , ومن كانت إقامته لمسوغ شرعي كمن
أقـام للدراسـة أو العلاج أو التجـارة أو الدعـوة أو لحاجة الدولة الإسلاميـة أو رعـاية مصلحة راجحة مع القدرة على إظهـار
الدين والعزم على الرجوع متى انتهـى الغرض , فهذا لا يدخل فيما نهي عنه وممـا يحسن التنبيه إليه أن الاستفـادة مما
توصّل إليـه الكُفّـار من التقدم الصناعي والتقني لا يعد من التشبّه المُحرّم ؛ لأن ذلك ممـا أباحه الله وأمر
 به وهو من الأمـور المشتركـة بين بني البشر ..
 كما قال تعالى { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
[ الأعراف : 32 ]
وقال تعالى { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } [ الأنفال : 60 ]
وقال تعالى { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيْدَ فِيْهِ بَأْسٌ شَدِيْدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } [ الحديد : 25 ]




*  أخطـاء في مفهوم الولاء :
هناك أخطاء وقع فيها بعض الناس بسبب قلّة فهمهم لمسألة الولاء , ومن ذلك ما يلي :
1- الظن بأن الموالاة الظاهرة لأهل الإسلام المقتضية للنُصرة والإعانة بجميع أنواعها واجبة على كُل أحد في جميع الأحوال
ولا شك في أن مناصرة المسلمين والوقوف معهم من الحقوق الواجبة , ولكن قد يحول دون القيام بذلك
عارض سائع شرعـاً كالإكراه والعجز والخوف ومراعـاة درء مفاسد أعظم
والدخول في معاهدات تراعى فيها المصالح الكُبرى للأمـّة , فهذه الأعذار ونحوهـا تسقط الوجوب أو تمنعه كما يدل على ذلك
قوله تعالى { وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } [ الأنفال : 72 ]
وما ورد في شروط صُلح الحُديبية ؛ من ردِّ أتى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مؤمناً إلى قريش .

2- الظن بأن كُل دخول في معاهدات مع الكُفار من أنواع الولاء المُحرّم ومن الركون إلى الذين ظلموا الموجب للخروج من الإسلام , وهذا الكلام ليس على إطلاقـه يرى ولي أمر المسلمين في معاهدة الكفار في بعض الأحوال والأزمـان ما يُحقق مصلحة للمسلمين أو يدرأ عنهم شراً , وقد تكون هذه المعاهدة مُشتملة على نوع من التنازل والغضاضة على المسلمين لكن فيها مراعـاة لمصلحة أعظم أو دفع مفسدة أكبر كمـا حصل للمسلمين في صُلح الحُديبية .

3- الخلط بين ولاء الكُفـار الممنوع , وبين البّر والإحسـان والصلة والإقساط المشروع , فمن الناس من والى الكفار لظنه أن ذلك
 داخل البّر والإحسـان المأمور به ومن الناس من ترك البّر والإحسـان للكُفـار لظنه أن ذلك من الموالاة المُحرّمـة 
 والحق أنّ البّر والإحسـان لا يسلتزم المحبّة والمودة والولاء كمـا أن البُغض والكراهيـة لا يستلزم عدم
البّر والإحسـان والإقسـاط وقد ذكر الله تعالى في كتابه البّر بالكُفار غير المُحاربين
كما في قوله تعالى { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ
 وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } [ الممتحنة : 8 ]
وقال تعالى { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } [ لقمان 15 ]
وقد عاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غلامـاً يهودياً ودعـاه إلى الإسلام فأسلم وأذن لأسمـاء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ 
بصلة أمهّا المشركـة لتتألفها وأرسل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى أخ له هدية قبل أن يسلم 
فالبّر والإحسـان والمعاملة الطيبة والصلة للكُفـار غير المحاربين وللأبوين وسائر الأقـارب الكافرين
ليس من الولاء الممنوع ؛ لأن ذلك لا يستلزم ما نهي عنه من المحبّة الإيمانية والمودّة القلبية .

4- القول بأن كُل موالاة الكُفـار ردّة وكفرٌ وهذا غير صحيح , فالموالاة لها أحوال وأحكـام كما سبق تفصيلها وليست كُلّها ردّة وكُفراً .

5- الظن بأن مما يدخل في موالاة الكُفار المعاملات التجاريـة معهم وتبادل الخبرات والاستفادة من تجاربهم
 المفيـدة وهذا غير صحيح , فقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُعامل الكُفار وثبت أنه اشترى من يهودي
 طعاماً بنسيئة ورهنه درعه [ رواه البخاري في كتاب البيوع , باب شراء الإمـام الحوائج بنفسه ح 2096 ]

6- الظن بأن ما يوجد من محبة طبيعية فطرية من المسلم لقريبه الكافر نوع من الموالاة المحرّمـة 
والصحيح أن هناك فرقـاً بين محبة الكُفار الممنوعـة المقتضية لموالاتهم والرضـا بدينهم وبين المحبة الطبيعية
 الجائزة , كمحبة الشخص لبعض أقاربه الكُفار كوالديه وزوجته وولده ونحو ذلك ممـا هو طبيعة الفطرة الإنسـانية ممـا لا علاقة له بدين  الآخر ولا يترتب عليه ولاء للكُفّـار ولا مودة ولا نصرة لدينهم 
وهذه المحبة الطبيعية لبعض الكفـار هي غير المحبة الدينية التي لا تجوز إلاّ لأهـل الإيمـان
فالمحبة الفطرية لبعض الكُفار تكون مصاحبة للبُغض الإيمـاني لأجل كُفرهم , فالحب لهذا الكـافر باعتبـار والبغض له باعتبـار آخر
كما قال تعالى { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا } [ العنكبوت : 8 ]
وقال تعالى { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } [ لقمان : 15 ]

7-  تأييد موقف المسلم ضد الكافر مُطلقاً حتى ولو كان المسلم ظالماً وهذا غير صحيح
فإن الله تعالى نهى عن الظُلم وأمر بالعدل حتى مع الأعـداء
كما قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ المـائدة : 8 ]
 فنصر المُسلم الظالم يكون بردعه عن الظُلم والأخذ على يديه لا بإعانتـه عليه من أجل بُغض خصمـه .

وللزيــادة حول هذا الموضوع اضغط هنــــآآ




هذا والله أعلم , ونسأله سُبحانه أن ينفعنـا وإياكم به
سُبحان ربك ربّ العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين
إلى هنــا ينتهي الدرس =)
وإلى الملتقى إن شاء الله في درس جديد نستودعتكم الله الذي لا تضيع ودآئعه وردة
سبحانك اللهم وبحمدك نشهدُ أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليـــــك ..