الجمعة، 22 أبريل 2011

الدرس الـــ 14ــــ : ~ الـورع ~ مقدم من فريق || راجيـــــات الجنة || ~



والصلاة والسلام على أشرف الأنبيـاء والمرسلين نبينـا محمد وعلى آلـــــهـ وصحبهـ وسلم أجمعيــــن

ثم أمـــا بعد ..

تحيـــــة طيبة وعطرة للجميــع وأهلاً وسهلاً بكم أينمـا كنتم =)

نسعد بوضع جديد دروسنـا معكم وها نحن اليوم نتكلّم عن [ الـورع]

ربمـا الكثير لا يعرف ما معنـاهـ !

إن من السهولة أن يكون المُسلم مُصلياً أو صوّاماً أو قوّاماً أو داعية أو خطيباً أو معلماً أو حتى عالماً

ولكن من الصعوبة أن يكون ورعـاً ؛ فإن الورع رُتبة عزيزة المنال ، رفيعة المكان , ومتى ما ارتقى الإنسان

إلى مرتبة الورع فقد نال أسمى المراتب ، وتحلى بأجمل المناقب التي تؤهله لمنزلة النبيين والصديقين والشهداء

وإن ما نلاحظه من قلّة البركة ، وفساد الثمرة ، وتردي الأخلاق ، وكثرة الشقاق ، والإنكباب على الشهوات

والتلّطخ بالشُبهات ، والإنهماك في الملذات ، والتهاون بالذنوب ، وضياع الحقوق ، ومظاهر العقوق

لهو نتيجة لغياب مفهوم الورع !

فما الورع ؟ وما فضله ؟ وما أنواعه ؟ وما ضوابطه ؟ ومـا درجته ؟ وما مظاهـره ؟!

بإذن الله سوف نوضّح كل هذا الآن .. بسم الله وعلى بركـة الله نبدأ ^^





:: تعريف الـورع ::

لغة : التحرُّج والكف عمّا لا ينبغي

شرعـاً : ترك ما يُخاف ضرره في الآخره << ذكره ابن القيم في مدارج السالكين ( نزهة الزهد ) عن ابن تيمية


وقال : هذه العبـارة أحسن ما قيـل في الورع ..

وقد وردت تعريفات كثيرة للورع ومنها قولهم : الورع : ترك ما يريبك ، ونفي ما يعيبك


والأخذ بالأوثق , وحمل النفس على الأشق


وقيل : هو تجنب الشبهات ، ومراقبة الخطرات


وقال ابن تيمية - رحمه الله - : هو الورع مما قد تخاف عاقبته

وقيل : هو عبارة عن ترك التسرع إلى تناول أعراض الدنيا


وقيل : هو ترك كل شبهة

وقال يحيى بن معاذ : الورع على وجهين : ورع في الظاهر وورع في الباطن

فالـورع الظاهر : أن لا يتحرك الإنسان إلاّ لله

والـورع الباطن : هو أن لا تدخل قلبك سوى الله

وقال آخر : الورع هو الخُروج من كل شبهة ، ومحاسبة النفس في كل طرفة عين


✿ :: فضــل الورع :: ✿

قال عليه الصلاة والسلام « كن ورعـاً تكن أعبد النـاس » رواهـ ابن ماجه في الزهد

وقال عليه الصلاة والسلام « فضلُ العلم أحبُّ إليّ من فضل العبادة , وخيرُ دينكم الوَرَعُ » رواهـ البيهقي في الزهد



:: أنــواع الـورع ::


ورعُ واجـب : وهو الروع عن فعل المحرمـات وترك الواجبات , وأمثلته لا حصر لها


ورعُ مُستحب : وهو الورع عن ترك المكروهـات وفعل المستحبات , وأمثلته لاحصر لها


ويدخل فيه الورع عن الشبهة , ومن أمثلته قول النبي صلى الله عليه وسلم « إني لأنقلب إلى أهلي فأجد
التمرة الساقطة على فراشي , فأرفعهـا لآكلهـا , ثم أخشى أن تكون صدقـة فألقيهـا » رواهـ البخـــاري

وهذا الحديث أصل من أصول الورع , فالنبي صلى الله عليه وسلم تحرم عليه الصدقــة , وهذه التمرة

احتمـل فيها أمران : إمّـا أن تكون من مـال النبي عليه الصلاة والسلام , أو من مـال الصدقـة المحرّم عليه

فلّمـا اشتبه عليه أمرهـا تركهـا تورُّعــــاً ..


:: ضوابــط في الـورع ::


هذه بعض الضوابـط التي لابد من معرفتهـا لتحقيق الـورع المشروع , وينتج عن الإخلال بها أو ببعضها
ورع فـاسد غير مشروع , إمّـا غلوُّ مذمـومٌ , أو تقصيـرٌ ممنوعٌ :

1 / الـورع يكون في فعل الواجب , وترك المحرم , كمـا يكون أيضـاً في فعل المستحب , وترك المكروه
ويكون أيضـاً في ترك مـا أصله مبـاح ؛ إمـا لشبهة عـارضة , وإمـا لخوف جَلْبِه مفسدةً أو غير ذلك


ممـا قد يعرض للمبـاح , أمـا المباح المحض فلا يصلح فيه الورع ؛ لأنه لا يُخاف ضرره .


2 / أن يكون الورع صـادراً عن علم حاصل بالأدلـة الشرعيـة ؛ الكتاب والسُنّة
أمـا الـورع الذي مصدره الجهلُ أو الإحتيـاطُ الفاسد , فقد يؤدي إلى فسـاد عظيـم .

3 / الموازنة بين المفاسـد والمصالـح , فمـا غلبت مصلحته فالورع فعله , وما غلبت مفسدته فالورع تركـه .





:: درجـة الـورع ::


درجته عالية ، ورتبته رفيعة ، ومنزلته بعيدة لا يصل إليها ولا يرتقي إليها إلاّ الأفذاذ من العباد

ولذلك تجد أن الذين اشتهروا بالورع على مر التاريخ هُم أناس قلائل ، وأفراد أوائـل

وإذا قيل في القرون المفضلة « لولا سُفيان الثوري لمات الورع » فما بالكم ببقية القرون !

فالورع مرتقى صعب ، ومرتبة شاقة ، وهو ملاك الدين ، وجوهر التقوى ، وزمام الأمر

يقول الحسن البصري - رحمه الله - : مثقال ذرة من الورع خير من ألف مثقال من الصوم والصلاة - أي النفل -

وقال محمد بن واسع - رحمه الله - : يكفي من الدعاء مع الورع اليسير منه

وقال حبيب بن أبي ثابت - رحمه الله - : لا يعجبكم كثرة صلاة امرئ ولا صيامه ، ولكن انظروا إلى ورعه

فإن كان ورعـاً مع ما رزقه الله من العبادة فهو عبد لله حقـاً


:: مظــاهر الـورع ::

مظاهر الورع كثيرة جداً ، فالورع يكون في النظر بحفظه عن الحرام وغضّه عن الفتن


ويكون في السمع ، ويكون في اللسان , ويكون في البطن فلا يأكل أو يشرب إلاّ ما اطمأن إلى جوازه ونفعه


ويكون في الفرج بحفظه عمّا حرم الله , ويكون في المشي والسفر ، ويكون في البيع والشراء ..




* وإليكم بعض النماذج الرفيعة لأرباب الـورع :




أعظم الناس إيمانـاً وأكملهم ورعـاً محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي عاش يبث في نفوس أصحابه مفهوم الورع

وعبقاً من حقيقة التقوى بقوله وفعله وسمته وخلقه , يقول صلى الله عليه وسلم « البر ما سكنت إليه النفس


واطمأن إليه القلب والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وإن أفتاك المفتون » صحيح الجامع

وهذه الإجابة وذلك التوجيه للإنسان المؤمن ، أما الفاسق والفاجر فإن الإثم لا يحوك في صدره ، بل ربما يتلذذ بالمعاصي

ويستمتع بالآثام ، وهي متع ظاهرة ، وتلذذ مغشوش ، ولكن المُسلم يجد لصدره انفساحـاً ، ولفؤاده انشراحـاً مع البر ودروبه

ويجد في صدره ضيقـاً ، وفي قلبه حرجـاً حين التلّبس بالإثم ودواعيه

ويقول صلى الله عليه وسلم « إنك لن تدع شيئـاً اتقاء لله عزّ وجل إلاّ أعطاك الله خيراً منه » رواهـ أحمد

ويقول صلى الله عليه وسلم « أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة
وصدق حديث ، وحسن خليقة ، وعفة في طعمة » صحيح الجامع

ويعطي صلى الله عليه وسلم قاعدة عظيمة في الورع ، فيقول « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » أخرجه أحمد والنسائي

وجمع صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة ، فقال « من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه » صحيح ابن ماجة

أي : ترك ما لا يعني من الكلام ، وما لا يعني من النظر ، ومن الاستماع ، ومن المشي ، ومن الفكر
ومن سائر الحركات الظاهرة والباطنة فمن ترك ما لا يعنيه من كل ذلك فقد ارتقى إلى مرتبة أهل الورع ..
وكان صلى الله عليه وسلم يروي لأصحابه بعض قصص الورع لتكون نبراسـاً لهم


يمضون على نهجهـا , ويقتبسون من هدّيهـا
فيقول صلّى الله عليه وسلم « اشترى رجل من رجل عقارا له فوجد الرجل الذي اشترى العقار في


عقاره جرة فيها ذهب. فقال له الذي اشترى العقار خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع
منك الذهب ، وقال الذي له الأرض إنما بعتك الأرض وما فيها فتحاكما إلى رجل ، فقال الذي تحاكما
إليه : ألكما ولد؟ قال أحدهما : لي غلام ، وقال الآخر : لي جارية ، قال أنكحوا الغلام الجارية


وأنفقوا على أنفسكما منه وتصدقوا » صحيح الجامع

الورع يطهّر دنس القلب ونجاسته كما يطهّر الماء دنس الثوب ونجاسته وهو صون النفس

وحفظها وحمايتها عمّا يُشينها ويُعيبَها ويزري بها عند الله عزّ وجل وملائكته وعباده المؤمنين وسائر خلقه

فإن من كرمتْ عليه نفسه وكبرت عنده صانها وحماها وزّكاها وعلاها ، ومن هانت عليه نفسه وصغرتْ عنده

ألقاها في الرذائـل ، وأطلق عنانها وحلّ زمامها


« ذكر صلى الله عليه وسلم الرجل أشعث أغبر يمدُ يديه إلى السماء : يا رب يا رب


ومطعمه حرام ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له » صحيح مسلم


سُئل رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن أفضل الناس فقال « كل مخموم القلب صدوق اللسان »


قالوا صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب ؟ قال « هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غِلّ ولا حسد » صحيح ابن ماجة


ويقول أبو حامد الغزالي - رحمه الله - : لن يعدم المتورع عن الحرام فتوحا من الحلال .


ويقول الشافعي - رحمه الله - : زينة العلم الورع والحلم .
وقال طاوس - رحمه الله - : مثل الإسلام كمثل شجرة فأصلها الشهادة وثمرها الورع ولا خير في شجرة لا ثمر لها ، ولا خير في إنسان لا ورع له .
وقال سفيان الثوري - رحمه الله - : عليك بالورع يخفف الله حسابك ، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك .
وقال أبو هريرة - رضي الله عنه - ‏: جلساء الله غدا أهل الورع والزهد .
* أمثلة على مـا ينبغي فيه الـورع :


أ / ورع البـاطن : بترك العمل لغير الله , وتطهيـر القلب من الريـاء .


ب / الطعـام والشراب : ومن أعظم الـورع , الورع في المطاعم والمشارب
وذلك بتحري الحلال والبعد عن الحرام , أو مـا فيه شبهة لم تتبيّن .


ج / المنطق والكلام : ولشدّته قال بعض السلف , الورع في المنطق أشد أشد منه في الذهب والفضة .


د / التورّع في الفتوى : وذلك بترك الإقدام عليهـا دون علم وتثبّت .


هـ / في البيـع والشـراء : ومن أمثلته , التورع عن بيع السلعة المعيبة مع إخفـاء عيبهـا ولو لم يكن ظـاهراً
فمن الـورع بيانه وإن نزلت قيمتهـا , والـورع في إعطـاء البائع الدراهم الممزقـة ووضعهـا بين السليمة حتى تختفي .


و / الـورع في المشتبهـات : والمراد بالمشتبهات أمـور بين الحلال والحرام تشتبه على كثير من الناس
هل هي من الحلال أم من الحرام ؟ أمـا الراسخون في العلم فلا يشتبه عليهم الأمـر وذلك لأنهـا
لا تكـون مشتبهة في ذاتهـا ؛ لأن الله قد بيّن الحلال والحرام , لكن تشتبه لمن لم يعلمهـا .

ز / الورع عن الخوض في أعراض النـاس وأموالهـم .





:: أغلاط النـاس في الـورع ::

قد غلط الناس في الورع قديمـاً وحديثـاً على أوجه متنوعـة , ترجع غالبهـا إلى الإخلال بأحد الضوابـط السابقة
فإليكم بعضـاً منهــــا :


1 / فمن الناس من أخطـأ في الورع , وقصَره على اجتناب المحرمـات ؛ دون فعل الواجبات ؛ فتورّع عن الكذب


وكسب المـال الذي فيه شبهة ونحو ذلك , لكنه مع هذا ترك أموراً واجبة عليه , كصلة الرحم وحق الجـار
وحق ذي سلطـان والعلم وترك الأمـر بالمعروف والنهي عن المنكـر والجهـاد في سبيـل الله .
وهذا الورع قد يوقع صاحبه في البدع الكبـار , فإنّ ورَع الخوارج والمعتزلـة وبعض الفرق الضّالة كان من هذا الجنس
فتورّعـوا عن الظلم , وما اعتقدوه ظلمـاً من مخالطة الظلمة في زعمهم حتى تركوا لأجـل ذلك الواجبـات الكبـار
كالجمعة والجمـاعة والحجّ والجهـاد مع السلطـان .


2 / ومن النـاس من كـان ورعه في اجتناب المحرّمـات غير مبنيّ على دليل شرعي , بل على ما تنفر منه نفسه
ويخالف هواهـا ولأجـل هذا تتولدّ عنده أوهـام وظنون كـاذبة , فيقع في الورع الفاسد مع ظنّه صحّة ما هو فيه
ومن هؤلاء أهل الوسوسة في النجاسات , أو النيّة في العبـادات ونحو ذلك , وورعهم هذا الفاسد
مرّكب من نوع دين مع ضعف علم , قد يتبعه ضعف عقـل , وقد أنكر حـال هؤلاء الأئمة كأحمد بن حنبل , وغيــره
ومن هذا النـوع : الورع الذي ذمّـه رسول الله صلى الله عليه وسلم , ففي حديث عائشة - رضي الله عنهـا -
قالت : صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمـراً فترخص فيه , فبلغ ذلك ناسـاً من أصحابه , فكأنهم كرهوه
وتنزهوا عنه , فبلغه ذلك , فقـام خطيبـاً , فقـال « مـا بالُ رجـال بلغهم عني أمرٌ ترخّصت فيه , فكرهوه
وتنزّهوا عنه , فو الله لأنـا أعلمهم بالله , وأشدهـم له خشيـة » رواهـ البخـــــاري

3 / ومن النـاس من حمله ورعـه على ترك بعض الأمـور , ناظراً إلى جهة فسـاده , ولم يلحـظ ما يعارضـه
من جهة الصلاح الراجح على المفسـدة , وقد يحصـل العكس , فيفعـل بعض الأمـور ناظراً إلى جهة صلاحـه
دون أن يلحـظ ما يعارضه من جهة الفسـاد الراجح على المصلحة
فمن أمثلة الأول : من يترك الائتمـام بالإمـام الفاسق , فيفوت ما هو أعظم من ذلك , فيترك الجمعة والجمـاعة
ومن أمثلة الثـاني : من يرى أنه لا يمكن أداء واجب المناصحة للسلطـان الظالم إلاّ بالقتال الذي فيه من الفسـاد
وسفك الدمـــاء أضعاف ما عند الحاكم من الظلم


ومثل : من يقدم على إنكـار منكر , وهو يعلم أن صاحبه إذا أُنكر عليه زاد ضرره ومنكره إلى أعظم مما هو عليه .

هذا وأسأل الله العظيــم أن ينفع به .. اللهم وإهدنـا إلى أحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنهـا إلاّ أنت
اللهم وأعنّـا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتكـ
إلى هنــا ينتهي الدرس ..

إلى الملتقى إن شاء الله في درس جديد استودعتكم الله الذي لاتضيع ودآئعه 0

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك اللهم وأتوب إليـــــك ..


هناك 3 تعليقات:

  1. جزاك الله كل خير على هذا الموضوع الجميل،،
    جداً رائع ،،
    اللهم اجعلنا من المتقين الورعين وتقبل منا ..
    تقبلي مروري

    ردحذف
  2. الموضوع جدا رائع ومفيد ،
    فالورع يطهر دنس القلب ونجاساته كما يطهر الماء دنس الثوب ونجاسته،
    وبين الثياب والقلوب مناسبة ظاهرة .

    فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع في كلمة واحدة فقال: ((من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه))

    موفقة أختي وجعله في ميزان حسناتك ..

    ردحذف
  3. باركـ الله فيك على مرورك عزيزتي الندى ومشاركتك العطرة =)
    اللهم آميــن الله يتقبّل دعوآتك ويلبسك ثياب الطُهر والسعادة .. حياك البـاري ودُمتم بود =)

    ردحذف